يركز القائمون على أمور البيئة بكافة دول العالم دائما على مشاكل التلوث أو حتى التدهور البيئي
نتيجة للأسباب المترتبة عن الأنشطة البشرية النمطية والعادية من تجارة وصناعة وسياحة وخدمات،
والتي بات يألفها الجميع ونسوا ما يمكن أن تُحدثه الصراعات والحروب التي لا تكاد تخلو قارة من
القارات الخمس منها. فما يمكن أن تحدثه تلك الحروب خاصة تلك التي تستمر وتمتد لسنوات
وتستخدم فيها ربما كافة أنواع أسلحة الدمار ، وتمارس فيها ممارسات غالبة ما تكون بعيدة عن
أخلقيات الحروب والصرعات التي تضمنتها المواثيق والمعاهدات الدولية والتي باتت بدورها لا تحترم
وتنتهك بشكل صارخ خاصة إذا ما كان أحدىَ طرفي الصراع دولة عظمى أو دولة حليفة لدولة عظمى،
وفي ظل غيات تام للمعايير المتفق عليها ، وفي ظل سيادة المعايير المزدوجة التي تمارس حاليا بشكل فج
وبدون مواربة ،أما بدافع الحفاظ على المصالح الاستراتيجية ،أو بدافع الانتماءات العِرقية والايدلوجية.
ومن عظمة الشريعة الإسلامية أنه قد وردت العديد من النصوصٌ الصريحة التي تدعو إلى اتباع
أخلاقيات بعينها أثناء الحروب قائمة على الرحمة والعدل وتنهى عن الاعتداء على النساء والأطفال
وقطع الأشجار بغير ضرورة مثل قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾(البقرة: 190)، وقوله تعالى: ﴿مَا قَطَعْتُم مِِّن لِِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ
اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ (الحشر: 5)، وفسِّر العلماء هذه الآية بأن الأصل هو عدم قطع الأشجار، ولا
يُقطع منها إلا ما تدعو إليه الضرورة الحربية، مع مراعاة عدم الإفساد في الأرض.
كما أن هناك بعض الأحاديث الشريفة التي تحث على ذلك ايضاً مثل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «: انطلقوا
باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا،
وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين » (رواه أبو داود).
هذا الحديث ينهى صراحة عن قتل النساء والأطفال والشيوخ في الحروب، وحديث آخر: «لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا ولا
تقتلوا أصحاب الصوامع » (مسند أحمد)، أي لا تقتلوا الأطفال، ولا العمال غير المقاتلين، ولا الرهبان
المنقطعين للعبادة . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان
(متفق عليه)، وقد أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا. كل هذه النصوص تؤكد
أن أخلاقيات الحرب في الإسلام قائمة على الرحمة والعدل ورفض الاعتداء، وتشمل حماية المدنيين
(نساء، أطفال، شيوخ)، وحماية البيئة (النهي عن قطع الأشجار إلا للضرورة).
من هنا وانطلاقاً من هذا الواقع الأليم وجدنا أنه من المفيد تسليط الضوء على التداعيات البيئية الخطيرة
التي تخلفها الحروب والصرعات، والتي ربما لا ينتبه إليها الكثيرون خاصة وأن تلك التداعيات ربما لا
تمحى أثارها في القريب العاجل.
أولاً: تلوث الهواء والمياه والتربة
1. تلوث نوعية المياه الجوفية والسطحية خاصة المعادن الثقيلة والاسبستوس نتيجة لتسرب
تأثيرات الأسلحة والانفجارات.
2. نقص الإمدادات، وتدنى جودة مياه الشرب، والتلوث بمياه الصرف الصحي غير المعالج نتيجة
لتدمير مشروعات البنية التحتية لمياه الشرب وللصرف الصحي.
3. تسرب المواد الكيميائية والملوثات الأخرى إلى التربة ومنها للخزنات الجوفية وكذلك للهواء
المحيط وينعكس ذلك على تدهور صحة الانسان.
4. زيادة تركيزات الغبار والاتربة والجسيمات الدقيقة والاسبستوس نتيجة للهدم والتخريب في
المباني الخراسانية للمنشآت المدنية والعسكرية على حد سواء.
5. التعرض للضوضاء والاهتزازات نتيجة للانفجارات وأزيز الطائرات وأصوات المدافع الثقيلة
وانهيار المباني مما يؤدى إلى فقدان السمع لدى العديد خاصة الأطفال.
6. زيادة التلوث بالانبعاثات الغازية الناتجة عن حرق الغابات والمخلفات والوقود الاحفوري في
المركبات العسكرية والدبابات فضلاً عن الطائرات فضلاً عن اشتعال النيران في خزانات الوقود
أو انسكابها مما يؤدى الي زيادة تركيزات المركبات العضوية المتطاير.
ثانياً: فقدان التنوع البيولوجي
1. تدمير الموائل الطبيعية للكائنات الحية الكبيرة بسبب نشوب الحرائق أو التدمير المباشر.
2. تدمير الموائل الطبيعية للزواحف والقوارض والطيور والكائنات الدقيقة.
3. هجرة العديد من الكائنات الحية على اختلاف أنوعها مما يعرضها لخطر القتل أو الانقراض.
4. قتل العديد من الكائنات الحية بطريقة مباشرة.
5. حدوث خلال في التوازن البيئي الطبيعي نتيجة لما سبق كله مما يؤثر على استدامة الموارد
والخدمات الطبيعية التي يستفيد منها الانسان.
ثالثاً:التغيرات المناخية
1. زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري نتيجة حرائق الغابات وتقلص المساحات الخضراء.
2. زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري نتيجة لزيادة معدلات حرق الوقود الاحفوري
المستخدم في المعدات والمركبات العسكرية.
3. ضعف قدرة النظم البيئية على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
تداعيات أخرى
4. حدوث أزمات بيئية طويلة نتيجة لتدهور مرافق البنية التحتية من مياه شرب وصرف صحي
ومن ثم تفشي الامراض.
5. زيادة الضغط على مرافق البنية التحتية للأماكن التي يتم الهجرة اليها هروباً من ويلات
الحروب.
6. إمكانية حدوث تلوث اشعاعي قد يدمر البيئة ويؤدى بحياة الملايين أو يحدث تشوهات دائمة
في الأطفال والأجنة على حد سواء.
7. صعوبة إدارة الكميات الكبيرة من النفايات الصلبة المتخلفة عن الهدم والتخريب وعدم وجود
أمكان صالحة لاستقبالها.
إحصائيات:
•الجيوش مسئولة عن 5.5 % من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
•في حرب فيتنام تم تدمير 5 ملاين فدان من الغابات و 500 ألف فدان من الاراض الزراعية.
•في العراق تقلصت مساحة الأهوار إلى 10 % خلال حربها مع إيران.
•في أفغانستان فقدت 95 % من غطائها الحرجي خلال العقود الأخيرة.
•في حرب غزة تشير التقديرات إلى تراكم أكثر من 270 ألف طن من النفايات الصلبة.
•يمكن أن تؤدى الحروب على قتل 90 % من الحيوانات الكبيرة.
•في أوكرانيا تقدر الأضرار البيئية ب 152 مليار دولار وانبعاثات لا تقل عن 100 مليون طن
من غازات ثاني أكسيد الكربون المكافئ.
رابعاً: إعادة التأهيل البيئي (من وجهة نظر الكاتب)
الخطوة الأولى: قيام المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن بمنع نشوب الحروب غير المبررة
والتي لا تستند إلى حجج قانونية أو مبررات إنسانية مثل الحروب الاستعمارية أو احتلال أراضي
الغير، ووقف القائم منها من خلال تفعيل آليات الفصل السادس أو وضع أليات جديدة.
الخطوة الثانية: قيام النظام الدولي من خلال مؤسساته الفاعلة بحل كافة الخلافات ونزع فتيل بؤر
الصرعات التي قد تتسبب في حروب مستقبلية وإيجاد حلول سلمية دبلوماسية، ومنع تدخل بعض
الدول في شئون الدول الأخرى أي كان الدافع.
الخطوة الثالثة: مراجعة النظام الدولي المعمول به الان وتصويب ما به من عوار واضح مثل العمل
بالمعايير المزدوجة، وإلغاء حق الفيتو التي تتميز به الدول الخمس دائمة العضوية عن غيرها وتستغله
استغلال سيئ، وتغليب المصالح الاقتصادية والسياسية على سلامة وآمن الأنسان )السلم والأمن
الدوليين(، وعدم تأجيج النزعات الأيدلوجية لتحقيق مكاسب ما.
الخطوة الرابعة: تفعيل ضوابط واخلاقيات الحروب أو وضع ضوابط وأخلاقيات جديدة مثل عدم
التعدي على المدنيين، وكذلك مرافق البنية التحتية المدنية ومنع إزالة أو تدمير الغابات والمزروعات عن
عمد.
الخطوة الخامسة: دعم المؤسسات الدولية لجهود إعادة تأهيل ما تم تدميره من مرافق البنية التحتية
قدر المستطاع فور وقف الحروب ورفع النفايات ومعالجة الاثار البيئية السلبية خاصة تلك التي تتجاوز
قدرات السلطات المحلية.